احمد المصرى مشرف
عدد المساهمات : 128 تاريخ التسجيل : 23/03/2010 العمر : 48 الموقع : https://shababna.forum.st
| موضوع: وأخيراً عرفت طريق الهداية الأربعاء مارس 31, 2010 4:30 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
هذه الأمة على الرغم مما أصابها من ضعف وانحراف، وبعد عن منهج الله عز وجل، إلا أن الخير لا يزال فيها وفي أبنائها إلى يوم القيامة..
وها هي قوافل التائبين، وأفواج العائدين تتكاثر يوما بعد يوم، فيهتدي أناس بعد طول شرود، ويتوب آخرون بعد أن جربوا كل أصناف المعاصي والمخالفات..
كانوا عصاة، ولكن بذرة الإيمان- وإن ذبلت- لم تمت في قلوبهم، ولذلك فسرعان ما اهتزت وربت وأنبتت عند أول جرعة من ماء الهداية والاستقامة..
لقد استجاب هؤلاء التائبين لقوله تعالى: { زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31) وإنا لنرجو لهم الفلاح إذا استمروا على طريق التوبة والهداية.نرجو لهم الفلاح؟ لأنهم تركوا طريق الضلال والانحراف.
نرجو لهم الفلاح؛ لأنهم تركوا أموالهم المحرمة، وأعمالهم المحرمة، ومنهم من ضحى بشهرته ومكانته الاجتماعية المرموقة، ومنهم من ضحى بمنصبه، ومنهم من ضحى بتجارته ومصدر عيشه، كل ذلك تقرئا إلى الله عز وجل وطلبا لمرضاته.
ولقصص التائبين أثر بالغ في النفوس؛ نفوس الطائعين ونفوس العاصين..
فالطائع يزداد إيمانا، ويعلم أنه على طريق الحق والهداية، وأن الذين سلكوا طريق الغواية ندموا على ذلك ولم يجدوا السعادة التي كانوا ينشدونها.
والعاصي يتحرك قلبه إذا سمع قصص هؤلاء التائبين، وتبدأ نفسه اللوامة تحثه على سلوك طريقهم والتزام سبيلهم، فإن كانت له إرادة قوية وعزيمة صادقة وثب وثوب الأسد، وأفاق من رقدة الغافلين، وأثبت اسمه في ديوان التائبين. وإن لم تكن له تلك الإرادة والعزيمة، استمرت نفسه اللوامة في اللوم والتوبيخ حتى تدركه رحمة الله فيهتدي، أو يموت على حاله من الضلال والبعد عن الله، والعياذ بالله.
ومن هنا- أخي الحبيب- جمعنا لك هذه الطائفة المنتقاة من قصص التائبين والتائبات لتأخذ منها العبرة والعظة وننتظم في سلك هؤلاء التائبين لننعم بتوبتنا في دنيانا وأخرانا
{ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } (الشعراء:88،89) نسأل الله أن يوفقنا جميعا إلى طريق التوبة والهداية، وأن يقبل من إخواننا التائبين توباتهم، وأن يتوب على كل العصاة والمذنبين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مات وهو ساجد يناجي ربه
توبة شاب عن ترك الصلاة
انطلق صوت أحد أولئك الشباب بأذان المغرب، يختلط مع صوت الأمواج الهادئة التي كانت قريبة من "الشاليه " الذي كانوا يفطرون به، وإذا بأحدهم يقدم لصاحبنا تمرة، فقال له: شكرا، ولكني لست بصائم.
قال له صاحبه: ما عليك!، مجرد مشاركة معنا.. أقيمت الصلاة فدخل معهم في الصلاة لأول مرة- منذ أن تركها- قبل فترة طويلة- وبعد الصلاة قام أحد الشباب بإلقاء خاطرة إيمانية دخلت كل كلمة فيها إلى أعماق قلبه، وبعد الإفطار استأذن من صاحبه ليعود إلى البيت، كان يفكر في هذا الجمع الطيب، وتلك الكلمات التي لم يسمع مثلها من قبل، أو ربما سمع مثلها كثيرا، ولكن لأول مرة يسمعها بقلب متفتح، فكان يحاسب نفسه أثناء قيادته سيارته إلى متى أظل على هذا الطريق؟
أما آن الأوان للاستقامة؟ ما المانع من ذلك؟
وصل إلى البيت مبكرا على غير عادته، تعجبت زوجته من قدومه المبكر، وعندما سألته قص عليها ما جرى لي.
وفرحت زوجته، واستبشرت بقدوم أيام الفرح، بعد أن أحال أيامها كلها منذ أن تزوجته حزنا يولد حزنا، بسبب ما يقترف من المعاصي وما يعاملها بها من القسوة.
صحا من النوم الساعة الثانية قبل الفجر بمدة طويلة، توضأ وأخذ يصلي مناجيا ربه، ويستغفر عن الأيام الخالية، يطيل في السجود والقيام حتى أذن الفجر.
استيقظت زوجته، فرأته ساجدا، فرحت كثيرا بهذا التغيير، واقتربت منه منتظرة انتهاءه من الصلاة، ولكنه لم يقم من سجدته، فوضعت يدها عليه مخاطبة: "بو فلان شفيك "؟
ولكنه بدل أن يجيبها سقط على جبنه، لقد وافته المنية وهو ساجد يناجي ربه.
توبة شاب على يد والدته
كان بالمدينة امرأة متعبدة، ولها ولد يلهو، وهو مُلهي أهل المدينة. وكانت تعِظُه، وتقول: يا بني! اذكر مصارع الغافلين قبلك، وعواقب البطالين قبلك، اذكر نزول الموت.
فيقول إذا ألحت عليه:
كفي عن التعذال واللوم *** واستيقظي من سنة النوم
إني وإن تابعت في لذتي *** قلبي وعاصيتك في لومي
أرجو من إفضاله توبة *** تنقلني من قوم إلى قوم
فلم يزل كذلك حتى قدم أبو عامر البناني واعظ أهل الحجاز، ووافق قدومه رمضان، فسأله إخوانه أن يجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجابهم.
وجلس ليلة الجمعة بعد انقضاء التراويح، واجتمع الناس، وجاء الفتى فجلس مع القوم، فلم يزل أبو عامر يَعِظ وينذر ويبشر، إلى أن ماتت القلوب فرقا، واشتاقت النفوس إلى الجنة، فوقعت الموعظة في قلب الغلام فتغير لونه. ثم نهض إلى أمه، فبكى عندها طويلا، ثم قال:
زَمَمْتُ للتوبة أجمالي ورحت قد طاوعت عذالي
وأبت والتوبة قد فتحت *** من كل عضو لي أقفالي
لما حدا الحادي بقلبي إلى *** طاعة ربي فك أغلالي
أجبته لبيك من موقظ *** نبَّه بالتذكار إغفالي
يا أمَّ هل يقبلني سيِّدي *** على الذي قد كان من حالي؟
واسوأتا إن ردَّني خائبا *** ربي ولم يرض بإقبالي
ثم شمر في العبادة وجد، فقربت إليه أمه ليلة إفطاره، فامتنع وقال: أجد ألم الحمى، فأظن أن الأجل قد أزف. ثم فزع إلى محرابه، ولسانه لا يفتر من الذكر. فبقي أربعة أيام على تلك الحال. ثم استقبل القبلة يوما، وقال: إلهي عصيتك قويا، وأطعتك ضعيفا، وأسخطتك جلدا، وخدمتك نحيفا، فليت شعري هل قبلتني؟ ثم سقط مغشيا عليه، فانشج وجهه. فقامت إليه أمه، فقالت: يا ثمرة فؤادي، وقرة عيني، رد جوابي.
فأفاق فقال: يا أماه! هذا اليوم الذي كنب تحذريني، وهذا الوقت الذي كنت تخوفيني، فيا أسفي على الأيام الخوالي، يا أماه! إني - خائف على نفسي أن يطول في النار حبسي؛ بالله عليك يا أماه، قومي فضعي رجلك على خدّي، حتى أذوق طعم الذل لعله يرحمني، ففعلت، وهو يقول: هذا جزاء من أساء، ثم مات رحمه الله.
قالت أمه: فرأيته في المنام ليلة الجمعة، وكأنه القمر، فقلت: يا ولدي! ما فعل الله بك؟ فقال: خيرا، رفع درجتي.
قلت: فما كنت تقول قبل موتك؟ قال: هتف بي هاتف: أجب الرحمن! فأجبت.
قلت: كالدمى خُرَّد *** يسقينه بالكأس والطاس
يقلن بالترخيم خذها فقد *** هنيتها يا واعظ الناسفما فعل أبو عامر فقال: هيهات! أين نحن من أبي عامر؟
حَلّ أبو عامر في قبة *** وطدها ذو العرش للناس بين جوار
توبة شاب مسرف على نفسه على يد إبراهيم بن أدهم
روي أن رجلا جاء إلى إبراهيم بن أدهم، فقال له: يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي، فاعرض علي ما يكون لها زاجرا ومستنقذا لقلبي. قال: إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية، ولم توبقك لذة.
قال: هات يا أبا إسحاق
قال: أما ا لأولى، فإذا أردت أن تعصي الله- عز وجل- فلا تأكل رزقه.
قال: فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟
قال له: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟
قال: لا، هات الثانية.
قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده.
قال الرجل: هذه أعظم من الأولى، يا هذا، إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له، فأين أسكن؟ قال: يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟
قال: لا، هات الثالثة.
قال: إذا أردت أن تعصيه، وأنت تحت رزقه وفي بلاده، فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له، فاعصه فيه.
قال: يا إبراهيم كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟!
قال: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟!
قال: لا ؛ هات الرابعة.
قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك، فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحا، وأعمل لله عملا صالحا.
قال: لا يقبل مني.
قال: يا هذا، فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟!
قال: هات الخامسة.
قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم.
قال: لا يدعونني ولا يقبلون مني.
قال: فكيفت ترجو النجاة إذا ؟!
قال له: يا إبراهيم، حسبي، أنا أستغفر الله وأتوب إليه. ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهم
توبة شاب عن العقوق يقول الشاب: توفي والدي وقامت أمي بتربيتي حتى أنهيت الدراسة الجامعية وجاءت بعثتي إلى الخارج، وبعد انتهاء البعثة رجعت شخصاً آخر قد أثرت في الحضارة الغربية، ورأيت الدين تخلفا ورجعية، وأصبحت لا أؤمن إلا بالحياة المادية، حصلت على وظيفة عالية وبدأت أبحث عن زوجة، وقد اخترت زوجة غنية وجميلة، وتركت اختيار أمي من تلك الزوجة المتدينة المحافظة، وبعد ستة أشهر من الزواج حدث خلاف بين زوجتي وأمي حتى طلبت الزوجة طرد أمي فطردتها في لحظة غضب فخرجت أمي من البيت، وهي تقول: أسعدك الله يا ولدي وبعد ما سكن غضبي خرجت أبحث عنها فلم أجدها، حتى انقطعت أخبارها وأصبت بعدها بمرض صرت رهين المستشفى، وعلمت أمي بالخبر وجاءت إلى المستشفى تريد زيارتي فما كان من الزوجة، إلا أن طردتها وقالت لها اذهبي عنا، وبعد مدة خرجت من المستشفى وقد انتكست حالتي النفسية وفقدت الوظيفة، وتراكمت على الديون حتى حدثت الصاعقة عليَّ بطلب الزوجة للطلاق فطلقتها. فخسرت الزوجة والأم والوظيفة فخرجت أهيم أبحث عن أمي، وفي النهاية وجدتها ولكن أين؟
في مكان تأكل من صدقات المحسنين، فدخلت عليها، وقد أثرت فيهما البكاء فما أن رأيتها حتى ألقيت بنفسي تحت رجليها وبكيت بكاءً مرا حتى شاركتني البكاء فعزمت على برّها وطاعتها وأسأل الله تعالى أن يتوب عليّ.
فلا تطع زوجة في قطع والدة *** عليك يا ابن أخي قد أفنت العمرا
فكيف تنكر أما ثقلك احتملت *** وقد تمرغت في أحشائها شهرا
وعالجت بك أوجاع النفاس *** وكم سُرَّت لما ولدت مولودها ذكرا
وأرضعتك إلى حولين مكملة *** في حجرها تستقي من ثديها الدررا
ومنك يُنجسها ما أنت راضعه *** منها ولا تشتكي لكنّا ولا قذرا
وقل هو الله بآلاف تقرأها *** خوفا عليك وتُرخي دونك السُترا
وعاملتك بإحسان وتربية حتى استويت وحتى صرت كيف ترى
فلا تُفضل عليها زوجة أبدا *** ولا تدع قلبهـا بالقهر يُنكسرا
والوالدُ الأصل لا تُنكر لتربية *** واحفظه لا سيما أن أدرك الكِبرا
فما تؤدي له حقا عليك *** ولو على عيونك حج البيت واعتمرا
توبة شاب كان يضرب والده
قال الحسن بن علي رضي الله عنهما:
بينا أنا أطوف مع أبي حول البيت في ليلة ظلماء، وقد رقدت العيون، وهدأت الأصوات، إذ سمع أبي هاتفا يهتف بصوت حزين شجي، وهو يقول:
يا من يجيب دُعا الـمُضطر في الظلم يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيـت وانتبهوا *** وأنت عينك يا قيـوم لـم تنم
هب لي بجودك فضك العفو عن جرمي *** يا من إليه أشار الخلق في الحرم
إن كان عفوك لا يدركه ذو سرف فمن يجود على العاصين بالكرمِ
قال: فقال أبي: يا بنيّ! أما تسمع صوت النادب لذنبه، المستقبل لربه؟ الحقه فلعل أن تأتيني به.
فخرجت أسعى حول البيت أطلبه، فلم أجده، حتى انتهيت إلى المقام، وإذا هو قائم يصلي، فقلت: أجب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوجز في صلاته واتبعني.
فأتيت أبي، فقلت: هذا الرجل يا أبت.
فقال له أبي: ممن الرجل؟
قال: من العرب.
قال: وما اسمك؟
قال: منازل بن لاحق.
قال: وما شأنك، وما قصتك؟
قال: وما قصة من أسلمته ذنوبه، وَأَوبَقَته عيوبه، فهو مرتطم في بحر الخطايا.
فقال له أبي: علي ذلك، فاشرح لي خبرك.
قال: كنت شابا على اللهو والطرب لا أفيق عنه، وكان لي والد يعظني كثيرا، ويقول: يا بنيّ! احذر هفوات الشباب وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات، ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألح عليّ بالموعظة ألححت عليه بالضرب، فلما كان يوم من الأيام ألح عليّ بالموعظة، فأوجعته ضربا؛ فحلف بالله مجتهدا ليأتين بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو علي، فخرج حتى انتهى إلى البيت، فتعلق بأستار الكعبة، وأنشأ يقول:
يا من إليه أتى الحجاجُ قد قطعوا *** عرض المهامة من قرب ومن بُعد
إني أتيتك يا من لا يخيب من *** يدعوه مبتهلا بالواحد الصمد
هذا منازل لا يرتد عن عققي *** فخذ بحقي يا رحمن من ولدي
وشل منه بحولٍ منك جانبه *** يا من تقدس لم يولد ولم يلد
قال: فوالله ما استتم كلامه حتى نزل بي ما ترى، ثم كشف عن شقه الأيمن فإذا هو يابس.
قال: فأبت ورجعت؛ ولم أزل أترضاه، وأخضع له، وأسأله العفو عني، إلى أن أجابني أن يدعو لي في المكان الذي دعا على.
قال: فحملته على ناقة عُشَرَاء، وخرجت أقفو أثره، حتى إذا صرنا بوادي الأراك طار طائر من شجرة، فنفرت الناقة، فرمت به بين أحجارٍ، فرضخت رأسه فمات، فدفنته هناك، وأقبلت آيسا، وأعظم ما بي ما ألقاه من التعبير أني لا أُعرَف إلا بالمأخوذ بعقوق والديه.
فقال له أبي: أبشر فقد أتاك الغوث، فصلى ركعتين، ثم أمره فكشف عن شقه بيده، ودعا له مرات يرددهن؛ فعاد صحيحاً كما كان.
قال له أبي: لولا أنه قد كان سبقت إليك من أبيك في الدعاء لك بحيث دعا عليك لما دعوت لك.
قال الحسن: وكان أبي يقول لنا: احذروا دعاء الوالدين! فإن في دعائهما النَّماء والانجبار، والاستئصال والبوار.
توبة فتاة عن العقوق والعصيان
كان الشيطان يزين لي سوء عملي.. حبَّبَ إليَّ المعاصي.. جعلي أعشق الغناء ولا شيء سواه.. زين لي العقوق والعصيان..
لقد أصبح في أذني حاجز منيع من سماع النصائح، وعلى قلبي قفل محكم الغلق فلا أتدبر ولا أتفكر في آيات الله وخلقه..
ونفخ الشيطان في رأسي، فأصبح غروري وكبريائي يمنحاني من الاختلاط مع الأخريات إلا بمن على شاكلتي من شياطين الإنس، تركت الدراسة لعامين متتاليين بعد أن أخفقت فيهما..
لقد كان هدفي من المدرسة هدفا تافها لا يرضى الله سبحانه وتعالى، فلم تكن المدرسة سوى سوق لتبادل الأشرطة والصور، ولأعرض ما بحوزتي من الأزياء والموديلات..
كانت هذه حياتي.. ولكن الله الرحيم بعباده أنجاني حيث أصرت إحدى الأخوات الملتزمات على الاتصال بي، واستطاعت بحول الله التأثير علي بعد عدة محاولات..
خرجت من حياة الضياع والضلال إلى حياة جدية، جعلت رضا الله تعالى ثم والدتي هدفي الأسمى الذي أسعى لتحقيقه، وعدت لمقاعد الدراسة أنهل من بحور المعرفة والعلم، وأنا أتمسك بالحجاب والفضيلة. وأعيش حلاوة الإيمان والتوبة بعد نبذ التبرج والأغاني.. لقد عشت في ظل السعادة الحقيقية بمسح دموع اليتامى والثكالى، وأحاول أن أرسم ابتسامة على شفاه المحزونين.. إنهما حلاوة الرحمة والحنان والحق.
توبة فتاة من استماع الغناء
كتبت التائبة:
كنت شديدة الحب والإعجاب بأحد الفنانين المغنين وكنت دائمة السماع لأغانيه، لا أستطيع القيام بأي مهمة إلا على نغمات صوته، حتى حال ذلك بيني وبين القيام بالأعمال المنزلية العادية، كالطبخ والغسيل وغيرهما.
وكثيرا ما أسهر الليالي من أجل استماع أغانيه من خلال الإذاعات المختلفة، وزيادة على ذلك أقوم بجمع صوره من كل جريدة أو مجلة وأكتب اسمه على كل كتاب أو دفتر أو جدار من شدة شغفي به، ومن غفلتي أنني إذا رأيته في المنام قمت بتسجيل ذلك الحلم السخيف في ورقة واحتفظت بها لئلا أنسى ذلك الحلم!!
وكم مرة أجهشت في البكاء عندما يتعرض ذلك الفنان لإهانة أو تحقير من أحد من الناس، أما حرمة الله فلا يهمني انتهاكها!!
وكنت في غفلتي لاهية، ولعذاب ربي ناسية!! حتى جاءت اللحظة الحاسمة في حياتي، وذلك عندما ألقت إحدى المعلمات الفاضلات في مدرستنا محاضرة عن عذاب المغنين والمغنيات، ومن يستمع للغناء!
فأصابت جسمي قشعريرة، وخفت خوفا شديدا، ولم أتمالك نفسي حين عودتي إلى منزلي، فقمت بتحطيم أشرطة الغناء دون إصغاء لداعي الشيطان، وكانت تلك المحاضرة سببا في العودة إلى الله وتطهيرا لقلبي من رجس الغناء.
وأحمد ربي أن خلصني من ذلك الذنب الأثيم، وأدعو الله أن يهدي الفنانين وغيرهم أجمعين
توبة فتاة بعد تدبرها لسورة "ق"
كنت متمادية في المنكرات والعصيان.. ولكم حاولت والدتي نصحي وتذكيري، لدرجة أنها تبكي أمامي ولكن بدون فائدة ظللت أسير في طريق مظلم كالح، أتخبط فيه بين الأوهام والخيالات. وعندما يسدل الليل ستاره الأسود أفكر فيما أفعله غدا، وعندما يشرق النهار أبلج واضحا، أحمل هم الليل وبماذا سأقضيه، ليس لي هم غير الدنيا وإضاعة الأوقات بدون فائدة، وتمر ساعات وأنا بين أغنية أو مجلة أو فيلم ساقط.. وهكذا ألبستني الغفلة من ثيابها ألوانا شتى.
وذات يوم مللت من ذلك الروتين اليومي، ومن نصح والدتي وتذكريها لي بوالدي المتوفى- رحمه الله- وحرصه علي... وفجأة دخلت غرفتي التي تضج بالأشرطة والمجلات والصور وفتحت نافذة غرفتي فإذا بصوت إمام المسجد يهز مسامعي.. وكلمات بارئي تفعل ما تفعله في نفسي من تأثير كبير.. سبحان الله... ما أشد تلك الكلمات ومما أعظمها: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 16-35].
إنها الحياة الحقيقية.. ما أقسى الموت! وما أشد غفلتي عنه!! والقبر لقد طوته الغفلة في طي النسيان في حياتي، والصلاة ماذا عنها؟ إنها مجرد عادة إن وجدت نفسي متفرغة أديتها، وإلا تركتها كغيرها من الفرائض.. وكتاب الله لا تمسه يداي إلا في المدرسة إن حضرت هذه الحصة وإلا هربت مع قريناتي..!! ودق جرس الإنذار في نفسي مدويا وانهالت الأسئلة من كل جانب من جوانبي... يا إلهي ماذا أعددت لسؤال ربي...!! ماذا أعددت للقبر وضمته..!! وللموت وسكرته..؟ لا شيء أبدا!!! لا رصيد لدي أنجو به.. ولا زاد أتزود به.. سوى حفظ عشرات الأغاني الماجنة!!
يا إلهي ماذا سأفعل؟!
راح من العمر الكثير.. ذنوب في الليل وآثام في النهار..!! إذا لا بد من الرجوع.. الرجوع إلى الله.. والاستعداد ليوم يشيب فيه الولدان و!ضع كل ذات حمل حملها.. لابد من الاستيقاظ والعمل بالجد والإخلاص.. لعل الله يعفو عن الكثير ويقبل مني القليل.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
توبة فتاة مستهترة
حياتي كلها كانت مختلطة متبرجة، عشتها كما أردتها لنفسي، وكنت أصرف دخلي الشهري على الملابس الضيقة والقصيرة وأصباغ المكياج التي ألطخ بها وجهي كلما أردت الخروج، ولا أشتري إلا أغلى العطور حتى أن الجميع يشم رائحتي من على بعد مسافة.. وكنت مغرمة بإتباع ما تجلبه الموضة من قصات الشعر وتسريحاته ولا أرضى بديلا..
وكنت أرتاد الرحلات ونقضيها في الغناء المحرم والمزاح والاختلاط وهذا والله- ما يريده أعداء الإسلام بشباب المسلمين، يريدون منهم أن يكونوا كالبهائم العجماوات لا هم لهم إلا البحث عن الشهوات، وأذكر مرة أثناء إحدى الرحلات كنا نغني ونطلق أنواع النكت والأهازيج هما جعل سائق الحافلة يتضجر وينزعج وينظر إلينا بسخرية..
وسألنا هل تجيدون جميع الأغاني، فأجبنا بثقة. نعم، ماذا تريد أن نغني لك؟ فلم يجب؟ ثم قال: هل تعرفون كل شيء؟-.. قلنا: نعم نعرف كل شيء..
فقال: كم عدد أولاد النبي !؟
فتلعثمنا جميعا ولم يستطع أحط منا الإجابة لجهلنا بها..
لقد كنت أسخر واستهزئ بالملتزمات والمحجبات ولملابسهن المحتشمة ثم التحقت بالعمل، فإذا بإحدى زميلاتي الملتزمات تأمرني بالحجاب الشرعي فكنت أسخر منها ولا أطيق كلامها ولا الجلوس معها، ولكنها لم تيأس من نصحي وتذكيري وإهدائي بعض الأشرطة والكتيبات النافعة حتى بدأت أميل لكلامها بعض الشيء..
ورزقني الله بزوج صالح، أخذ يرغبني في الله ويأمرني بالصلاة، فتأثرت بكلامه.. واستطاع بأسلوبه الطيب أن يجذبني إلى طريق الإيمان ويحببه إلى.. وإن كنت لم ألتزم التزاما كاملا.. إلى أن هز مشاعري غرق إحدى البواخر ومات من مات، ونجا من نجا.. فاستيقظت من غفلتي، وسألت نفسي سؤالا صريحا.. إلى متى الغفلة؟.. إلى متى أظل أسيرة الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء.. ودارت في مخيلتي أسئلة كثيرة.
وبعد لحظات من التفكير ومحاسبة النفس نهضت مسرعة إلى تلك الأخت الفاضلة التي كنت أكره الجلوس معها وبحوزتي جميع الأشرطة الغنائية التافهة، فأعطيتها إياها للتسجيل عليها محاضرات وندوات دينية، وأعلنت توبتي وعاهدت ربي أن يكون هدفي هو إرضاء الله، وحمدت الله على هدايتي قبل حلول أجلي.
توبة شاب مستهتر
يظل هذا الإنسان على مفترق طرق كفها في النهاية تعود إلى طريقين لا ثالث لهما: طريق الأخيار، وطريق الأشرار.. هذا الإنسان وإن عاش طويلا فإن الأعمار لمح بصر.
فرق بين شاب نشأ في طاعة الله، وشاب نشأ على المسلسلات والأفلام.. بين شاب إن حضر في مجلس أنصت إليه الناس لكي يسمعوا منه كلمة من قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وشاب إن حضر أو لم يحضر فزملاؤه قائمون على الاستهزاء به، والضحك منه.
كنت في الصف الثاني الثانوي، فبدأت حياتي تتغير إلى الأسوأ، وتنقلب رأسا على عقب.. بدأت لا أصفي، ولا أشهد الجماعة في المسجد.. أخذت حياتي تتغير حتى في مظهري الخارجي.. تلك قصة شعر فرنسية، وأخرى إيطالية.. وملابسي لم تعد ثوبا وغترة، بل أصبحت لباسا غربيا فاضحا.. وجهي أصبح كالحا مكفهرا.. وفارقت الابتسامة شفتاي.
مرت سنة وسنتان وأنا على تلك الحال، حتى جاء اليوم الموعود..
كنت جالسا مع "شلة" لا هم لهم إلا الدندنة والعزف على العود، ودق الطبول إلى آخر الليل.. شفة فاسدة لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، بل تحث على المنكر، وتأمر به.
وبينما نحن في لهونا وغفلتنا، إذ أقبل علينا ثلاثة نفر من الشباب الصالح.. كنت وقتها أكره الملتزمين كرها شديدا لا يتصوره أحد.. أقبل أولئك النفر، فسلموا علينا، وجلسوا بيننا بعد أن رحبنا بهم مجاملة.. كنا عشرة، وكنت أنا أشد هؤلاء العشرة في الرد على أولئك الأخيار وتسفيههم كلما تكلموا، كنت أقول لهم: أنتم لا تعرفون أساليب الدعوة، ولا كيف تدعون.. الخ.
دار النقاش بيننا وبينهم لمدة ساعة كاملة كنا خلالها نستهزئ بهم، وكانوا يقابلون ذلك بالابتسامة والكلام الطيب.. ولفا حان وقت الانصراف صافحني أحدهم وقال لي: إن لك شأنا عظيما.
مر أسبوع على هذه الحادثة وحالتي لم تتغير.. من معصية إلى أخرى، وفي ليلة من الليالي عدت إلى المنزل بعد منتصف الليل، بعد سهرة مع تلك الشفة الفاسدة.. كنت متعبا، فألقيت بنفسي على الفراش، ورحت أغط في سبات عميق، فرأيت فيما يرى النائم أنني أمام حفرة سوداء مظلمة قد ملئت قارا أو أسفلتا محرفا، فتخطيتها، فإذا أمامي حفرة بيضاء لم أر مثلها قط، فسجدت لله شكرا حيث نجاني من تلك الحفرة السوداء المظلمة، فقمت من نومي فزعا، فإذا بشريط حياتي الأسود يمر أمامي.. لا أدري ما الذي أصابني.. قلت في نفسي: لو أني مت في تلك اللحظة هل تشفع لي حسناتي في دخول الجنة؟.. هل تنفعني تلك الشفة الفاسدة التي لا هم لها إلا السهر إلى آخر الليل، والتفكه بأكل لحوم البشر.. فعاهدت الله على الالتزام بمنهج الله ومنهج رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى تطليق تلك الشلة الفاسدة، ومن ترك شيئاً لله، عوضه الله خيرا منه.
توبة شاب مدمن
ولد عبد العزيز في مجتمع مسلم واكتحلت عيناه بنور الإسلام، ترعرع في بيت من بيوت المسلمين تسوده الألفة والمحبة.
انخرط في السلك الدراسي حتى تخرج في الجامعة والتحق بعدها بوظيفة محترمة ذات دخل جيد، وكان وقتها محل تقدير واحترام من الجميع.
عرض عليه ذات يوم السفر للفسحة والاستجمام، وشحن ذهنه وعقله بفوائد السفر والراحة والسعادة.. أخذ إجازة من عمله مدتها خمسة عشر يوما.
وما أن وضع رجله في تلك البلاد التي سافر إليها واستقر في أحد فنادقها حتى أتاه أحد شياطين الإنس قائلا له: إنك الآن متعب من عناء السفر.. إن الإجهاد والإرهاق واضح على محياك.. فقط كأس من هذا المشروب ينسيك جميع أتعابك وإجهادك.. سوف تمر بعدها بسعادة لم تمر عليك في حياتك قط.
ولما لهذا الكلام المعسول من تأثير.. ولحب الاستطلاع قال عبد العزيز هات الكأس.. احتسى عبد العزيز هذا الكأس.. وبعدها تبعه كؤوس.. وكؤوس.
نعم لقد تأثر أبلغ الأثر من هذا الكأس لقد ترك الصلاة وكان هو الإنسان المحافظ عليها.. وغفل عن ذكر الله.. ليته استفاد من ذلك الدرس.. وذلك الصداع والغثيان والقيء الذي باشره بعد أن استيقظ في منتصف النهار.. لقد كان الصداع يفجر رأسه.. وأصبح يلعن الخمرة ومن أحضرها.
لكن ذلك الشيطان. الذي استهواه بالأمس أتى ليهون عليه الأمر قائلا له لابد أن هذا الشراب لم يناسبك.. أجاب عبد العزيز: نعم إن رأسي يكاد ينفجر من شدة الألم والصداع.. فرد عليه.. هون عليه، هذه حبوب (السكنال) فيها الشفاء التام مما تجد.. لكنها ممنوعة لأنها!! ولأنها!! ما عليك إلا أن تدفع وأنا خادمك.. اطلب تجد.. اشتراها المسكين بعرق جبينه ولم يعلم ما سوف تجر عليه من المتاعب والمآسي والآلام.. والذل.. والعار.
لقد تعاطى عبد العزيز هذه السموم التي جلبت له الهم والشقاء.. وبعد فترة أحس أنه لا يستطيع أن يتخلى عنها مهما كلفه ذلك.. لقد قارب ذلك المبلغ الكبير الذي يملكه والذي جمعه في سنين.. قارب على الانتهاء في أيام قليلة.. الإجازة التي أخذها قد انتهت وقضى عليها بضعة عشر يوما.. ومع ذلك فهو يقابل كل هذه الأمور بلا مبالاة ولا إحساس. لقد أتاه ذلك الرجل (البياع) ذات يوم وقد طلب منه عبد العزيز كمية من المخدر مهما كان المبلغ المطلوب شريطة أدن ينتظر حتى تأتي الحوالة التي طلبها عبد العزيز من أهله.. ولكن ذلك المجرم كشر عن أنيابه.. قائلا له.. هل أنت مجنون.. تريد أن أعطيك بلا ثمن.. ونظر إلى عبد العزيز وكان في يده ساعة ثمينة فأخذها منه بنصف قيمتها مقابل كمية من المخدر وبينما هو على هذه الحالة في تلك البلاد إذا ببرقية من أهله تخبره بأنه قد فصل من العمل بسبب غيابه.
أفاق عبد العزيز من هول الصدمة.. التي كانت كالصاعقة عليه وأسرع بالرجوع إلى بلده وهو يجر أذيال الفقر والذل والضياع.
عاد إلى أهله وكادوا أن لا يعرفوه.. لقد غابت الابتسامة عن وجهه وتبدلت إلى هزال وشقاء واكتئاب.. بعدها انطوى عبد العزيز على نفسه.. ولم يعد ذلك الشاب الاجتماعي الذي يحب المرح؛ بل لقد ترك الصلاة منذ حين.
سياط النصائح تلهبه ولكن تأثير المخدرات أنهك جسده وحطم عقله.. وأمست هي كل شيء بالنسبة إليه. لقد أصبحت حياته جحيما لا يطاق ولم يعلم الكثير ممن حوله ماذا أصابه.. أحس بأنه عبء ثقيل على أهله.
عزم على أن يبحث عن عمل يسترزق منه.. فاستدان مبلغا من المال ورحل إلى مدينة أخرى ليغيب عن أنظار من يعرفه.. ومن يرثى لحاله ويترحم عليه.. وليغيب عمن يشمت به.. ويسخر منه.
سافر إلى مدينة أخرى من مدن بلده عله يصلح من حاله ولكنه لم يستطع أن يتغلب على تأثير المخدر في جسده وفي هذه المدينة التقى بمن قاده مرة أخرى إلى هذه السموم.. بينما هو على هذه الحال إذا به في أحد الأيام وقد تناول ما أفقده صوابه ولم يفق إلا وهو بين جدران أربعة.. قد. قبض عليه رجال مكافحة المخدرات.. بعدها اعتصره الألم وتخلى عنه القريب قبل البعيد.. وأصبح يجرجر الآلام والأحزان والقلق والحيرة والندم.. وكأنه يصارع سكرات الموت وشدته.. أحس بالاختناق وانفجر في أعماقه بركان هائل من الألم والأسى.. حكم عليه بالسجن لمدة سنتين.. كان كل يوم منها سنة كاملة.
وفي أحد الأيام التعيسة على عبد العزيز داخل أسوار الوحدة والغربة دخل أحد المرشدين إلى الجناح الذي يقضي فيه عبد العزيز مدة حكمه فأخذ يذكر النزلاء بالله تعالى وبضرورة التوبة والرجوع إلى الله وأن الله تعالى قد فتح بابه للتائبين في جميع الأوقات.. وأن السعادة والراحة والطمأنينة في الرجوع إلى الله.. وفي أثناء هذا الكلام كان عبد العزيز أذنا صاغية لكل ما يقال وبدأت تنفتح أسارير وجهه بعدها أخذ المرشد يتلو شيئا من سورة الفرقان { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً.......}إلى آخر السورة ثم أخذ يوضح شيئا من تفسيرها. ففتح الله قلب عبد العزيز لهذه الكلمات وقام بعدها وهو يقول: الحمد لله الذي أبقاني على قيد الحياة حتى أتوب.. بعد ذلك تطهر ولبس ثيابا طاهرة وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ودعا للمرشد بخير.. وحافظ بعدها على الصلوات الخمس مع الجماعة في أوقاتها في السجن.. وتحسنت حاله..
يقول عبد العزيز: لقد فكرت فيما بعد بالموت فأشفقت من النهاية وخفت من سوء المصير فلجأت إلى الله أطرق أبوابه في ذل وندم أطلب منه الصفح والعفو والغفران.. أسأله التوبة النصوح.. أغسل الذنوب بالدموع.. أبحث عن هدوء النفس وراحة الضمير لهذا لجأت إلى الله.
لقد التحق عبد العزيز بدروس حفظ القرآن الكريم في السجن واستطاع أن يحفظ أحد عشر جزءا في سنة. نسأل الله له الثبات.
يقول عبد العزيز: إنني أشعر بالسعادة والطمأنينة وراحة الضمير بعد رجوعي إلى الله رغم أني في السجن.. لقد أيقنت أن الحياة جحيم لا يطاق بدون منهج الله مهما ملك الإنسان من منصب وجاه ومال وسلطان. إن الحياة السعيدة هي التي تكون على منهج الله ولو كانت في السجن ولو كانت خلف القضبان.
إني أحذر من الوقوع فيما حرم الله وخصوصا تعاطي المخدرات.. فكم من الويلات فيها.
أنصح كل صاحب معصية أو مصيبة أو مشكلة بالرجوع إلى الله، كما أنصح بمصاحبة أهل الخير والجلوس معهم والابتعاد عن أهل السوء والفسق والمعاصي.
أسأل الله التوفيق والسداد وصلى الله على نبينا محمد .
قصة عجيبة في توبة رجل
يحكي قصته وعلامات الندم تعلو وجهه. يقول: كنت لا أصلي، ولا أشعر بالذنب، ولا تأنيب الضمير، وكأن الأمر لا يهمني، مع أني مسلم. كنت مسلما بالاسم فقط. إذا جاء شهر رمضان كنت أصوم وأصلي وكأني أعبد رمضان، ناسيا تلك الفريضة والشعيرة العظيمة، باقي السنة. رغم أني أسكن بجوار المسجد لم أقل لنفسي يوما: لماذا لا أصلي؟ وإذا جاء المساء كنت أنطلق إلى السهر مع أصدقاء السوء.
لم أفكر في الزواج رغم تجاوزي خمسة وثلاثين عاما. كنت أراقب امرأة تذهب إلى المسجد وقت الصلوات، خصوصا صلاة العصر، وهي متحجبة تمشي على استحياء بطرف الطريق وكأنها تلصق بالجدار. كنت أعترض لها كثيرا وأحدثها ولا ترد عليَّ. وعندما كثرت مضايقتي لها قالت لي: ماذا تريد مني؟
قلت لها: أريدك أن تدخلي بيتي ليس معي أحد في المنزل.
قالت وبكل أدب: أطلب منك طلبا إذا نفذته سأدخل منزلك.
قلت لها: اطلبي ما تشائين.
قالت: أريدك أن تصلي أربعين يوما في المسجد كل الصلوات وخصوصا الصبح والعصر والمغرب والعشاء، وأن تحضر الدروس بعد صلاة العصر. قلت لها: سأفعل وسأصلي هذه المدة. لأول مرة أدخل المسجد وأصلي العصر وأخذت أعد الأيام على أمل اللقاء بها.. وأصبحت أحضر الدروس تلو الدروس، وبعد أسبوعين فقط تغيرت أحوالي ولزمت المسجد رغبة مني في التوبة، خصوصا وقد تعلمت من الدروس أمور ديني وأن تارك الصلاة كافر، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ومن تركها فقد كفر". وأخذت أحاسب نفسي وأنا أندم إلى يومي هذا على ما فاتني من الخير الكثير. وعندما أوشكت المدة على الانقضاء قابلتني وأنا في طريقي إلى المسجد، وقالت لي: هل أنت ما زلت على رأيك؟
قلت لها: معاذ الله إني تائب وإني نادم، وأنت جزاك الله خيرا فقد غير الله بك حالي، وأرجو أن تسامحيني على ما بدر مني.
قالت: يا أخي، والله إنني منذ وعدتك وأنا أدعو الله لك الهداية في جميع صلواتي، والآن الحمد لله الذي هداك وأخذ بيدك إلى طريق الخير، فطالما عرفت الطريق إلى الله نسأل الله لك الثبات، فاصبر يا أخي فإن الدنيا متاع من لا متاع له، ومن لا حظ له في الآخرة. ثم انصرفت والدموع تنهمر من عيني وأنا مطأطئ الرأس.
إنه الإيمان، إنه طريق الخير والرشاد. إن هذه المرأة علمتني ما لم تعلمني الأيام.. هذه قصتي لعلها عبرة وعظة.
العودة
سقطت على الأرض مغشيا عليها..
ليست المرة الأولى.. فهي تعاني من إرهاق نفسي متواصل منذ أن تزوجت قبل سنتين.
لقد أخبروها أنه رجل طيب.. وفيه خير..
تستطعين التأثير عليه لكي يتدارك أمور دينه.. ويحافظ على الصلاة مع الجماعة.. وأنت يا بنيتي.. قد تزوجت أختك الصغرى قبلك.. وأعتقد أن هذا هو الأصلح لك..
وأصرت أمي على هذا الخاطب.. فهو ميسور الحال.. ومن عائلة معروفة.. ومركزه الوظيفي جيد..
مظاهر براقة لا تهمني..
فقد سألت عن الدين.. هذا ما يهمني.. أريد رجلا صالحا على الخير وعلى الطاعة.. إن أحبني أكرمني، وإن كرهني سرحني سراحا جميلا.. فما أكثر ما نسمع من تلك القصص المبكية من ظلم الأزواج ومشاكلهم مع زوجاتهم لقلة الخلق والدِّين.
كنت أحلم بمن يوقظني للصلاة في جوف الليل..
كنت أدعو الله في ظلام الليل ودموعي تتساقط أن يرزقني الرجل الذي يعينني على الطاعة، وأعيش معه على مرضاة الله..
نسير سويا متجهين إلى الله.. نقتفي أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الطيبين.
كنت أحلم بالرجل الذي يربي أبنائي تربية إسلامية صحيحة..
كأني أقف بالباب أرمقه هو وابني وهما ذاهبان إلى المسجد.. دعوت الله أن يتردد على مسامعي.. قول زوجي.. كم حفظت اليوم من القرآن؟!
وكم جزءا قرأت.. أحلم أنني أقف بطفلي أمام الكعبة وأدعو له.. سأنجب أكبر عدد من الأبناء طالما أن في ذلك أجرا.. وأنني سأخرج للدنيا من يوحد الله..
طالما حلمت الأحلام الكثيرة.. ولطالما متعت نفسي بتلك الأحلام.. الحمد لله على كل حال..
احتسبت الأجر وصبرت على زوجي.. في البداية كان ينهض للصلاة.. ومع مرور الأيام بدأ يتثاقل..
ماذا تريدين.. الله غفور رحيم..
سأصلي..
الوقت مبكر..
هذا هو الرد السريع عندما أحثه على صلاة الجماعة حتى لا تفوته.. أحس أنه يتغير مع إلحاحي إلى الأفضل.. على الأقل هذا ما أتفاءل به..
كنت أخشى رفقاء السوء فقد حدثني عن بعضهم.. أصبحت أخشى عليه من تأثيرهم.. فكرت في طريقة قد تكون مجدية أكثر من نصحي له.
لماذا لا أعرفه على الشباب الصالح فقد يتأثر بهم..
زوج صديقتي شاب طيب وملتزم وصالح إن شاء الله.. أسرعت للهاتف رحبت صديقتي بالفكرة وشجعت زوجها..
أخبرته أن صديقتي ستأتي ومعها زوجها..
بعد أسبوع من الانتظار الطويل زارتني صديقتي هي وزوجها..
قلبي يخفق من الفرح.. عسى الله أن يلقي في قلبه حبه.
كلما طال وقت الزيارة؛ زادت دقات قلبي.
بعد زيارة قصيرة ودعت صديقتي عند الباب.. رجعت إليه بسرعة..
جلست أضغط على أصابعي بقوة.. أنتظره يقول شيئا..
نظرت في عينيه.
فقال: لقد كان لطيفا.. وذا خلق عال..
ولكنه لم يبد حماساً للقائهم وللذهاب لهم كما وعدهم برد الزيارة.
حاولت بشتى الوسائل والسبل أن أعينه على المحافظة على الصلاة في المسجد.
الآن إلحاحي زاد بعد أن أنجبت منه ابناً.. أسهر الليالي الطويلة لوحدي..
هو يقهقه مع زملائه وأنا أبكي مع طفلي..
أكثرت من الدعاء له بالهداية..
قررت أن أصلي صلاة الليل في غرفتنا بجواره عسى أن يهدي الله قلبه..
أحياناً يستيقظ ويراني أصلي.. وفي النهار ألاحظ عليه أنه يتأثر من صلاتي وطولها.
مساء ذلك اليوم أخبرني أن أجهز له ثيابه.. سيسافر.. إلى المدينة الفلانية في رحلة عمل.. لا أعرف صدقه من غيره.. غالبا يسافر ولا يتصل بنا.. أحياناً أخرى يتصل ويترك رقم غرفته وهاتفه.. إذا اتصل عرفت أين هو.. لكن أحياناً كثيرة لا أعلم أين يذهب..
ولكني أحسن الظن بالمسلم إن شاء الله.
في مدة سفره سأخلصه بالدعاء.
في اليوم التالي.. اتصل بنا.. هذا رقم هاتفي.. الحمد لله.. اطمأننت أنه في المملكة..
انقطع صوته ثلاثة أيام.. وفي اليوم الرابع..
أتى صوته.. لم أكد أعرفه.. صوته حزين.. ما بك؟! سأعود الليلة إن شاء الله.. في تلك الليلة لم أنم من كثرة بكائه.. ماذا جرى لك؟! أخذ في البكاء كالطفل.. ثم تبعته في البكاء وأنا لا أعلم ماذا به.. وبعد فترة سادها الصمت الطويل.. أخذ ينظر إلي.. والدموع تتساقط من عينيه..
مسح آخر دمعة ثم قال: سبحان الله! زميلي في العمل.
سافرنا سويا لإنجاز بعض الأعمال.. ننام في غرفتين متجاورتين لا يفصلنا سوى جدار واحد.. تعشينا ذلك المساء.. وعلى المائدة.. تجاذبنا أطراف الحديث.. ضحكنا كثيرا.. لم يكن بنا حاجة للنوم.. تمشينا في أسواق المدينة لمدة ساعتين.. أرجلنا لم تقف عن المشي.. وأعيننا لم نغضها عن المحرمات.
ثم عدنا وافترقنا على أمل العودة في الصباح للعمل لإنهائه.
نمت نوما جيدا..
صليت الفجر عند الساعة السابعة والنصف..
اتصلت به بالهاتف لأوقظه.. لم يرد.. كررت المحاولة.. لعله في دورة المياه.. شربت كوبا من الحليب كان قد وصل في الحال.. اتصلت مرة أخرى.. لا مجيب.. الساعة الآن الثامنة وقد تأخرنا عن موعد الدوام.. طرقت الباب.. لا مجيب.. اتصلت باستعلامات الفندق لعله خرج.. ولكنهم أجابوا أنه موجود في غرفته..
لابد أن نفتح لنرى..
أصبح الموقف يدعو للخوف.. أحضروا مفتاحا احتياطيا.. دلفنا الغرفة بسرعة..
إنه نائم..
يا صالح..
ناديته مرة أخرى يا صالح..
رفعت صوتي أكثر وأنا أقترب منه..
نائم ولكنه عاض لسانه..
ومتغير اللون..
ناديته..
اقتربت أكثر..
لا حراك.
احمد المصرى | |
|